ماتت الأحزاب..فهل ماتت السياسة؟!!

    بقلم الأستاذ عبد الحميد اليوسفي

——————————————

جاء في الفصل السابع من الدستور المغربي ما يلي: 

“تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية”.

كان ذلك ممكناً في عهود تبدو لفرط بُعدها عنا كما لو كانت تنتمي إلى العصر الطباشيري أو الحجري!!

بيد أننا، الآن، لا نحتاج لكثير من الذكاء والفطنة لكي ندرك أن الأحزاب لم تعد تقوم بأي مهمة من هذه المهام، الدستورية يا حسرة، وأنها تحولت منذ حوالي ثلاثة عقود إلى أشباح يتبيّنها المواطنون بالكاد وسط لغط الاستحقاقات الانتخابية، بعد ان صارت مجرد دكاكين تُنتج اللافتات والمنشورات، وتٌطلق وصلات دعائية مصوغة بلغة الخشب والفلّين، ولذلك لا يوجد لها أدنى صدى في الساحة، ولا لدى جماهير ملت سُباتَها الشتوي الطويل، الذي يبدو بعكس فصول الطبيعة أنّ فصل الربيع لن يحُلّ بعده مهما طال الانتظار!!

ها قد عَلِمْنا أنّ الأحزاب تغط في سٌبات عميق ليس له آخِر ، وأنها بالتعبير الإكلينيكي توفيت وإن كانت لم تُدفن بَعد، رغم أننا نؤمن بأن من “أحسن واجبات إكرام الميت دفنه”!!

فهل يجوز أن نقول، أمام هذا الواقع الحزبي المتردي، إن السياسة هي الأخرى أسلمت روحها وذهبت إلى غير رجعة؟!

شخصياً، وبكل تواضع، لا اعتقد صواب “القول بموت السياسة”، في مغرب اليوم الذي لا يشبه في شيء مغرب الأمس، مادامت جامعاتُنا ومعاهدنا تُخَرِّجُ شباباً استطاع أن يفرض التعامل معه بالاحترام والتقدير اللائقين، في مجالات اقتصادية واجتماعية وخدماتية من بينها على الخصوص، الاستئثار بالمراتب الأولى عربيا وإفريقيا ومتوسطيا وعالميا في مجال الصناعات الكبرى، كالسيارات، والطائرات، وفي ميادين الصناعات الدقيقة وفائقة الدقة، كالرقائق وبطاريات الليثيوم، وفي مضمار المعلوميات واقتصاد المعرفة، وفي مجال إنتاج الطاقة النظيفة… فضلا عن إنجازات مُبهِرة في مجال السياحة وتطوير المنتوج السياحي وتجويده من كافة جوانبه، حتى صار المغرب مضرب المثل في هذه المجالات كافة، ناهيكم عن استحقاقات المجال الرياضي والثقافي والفني… واللائحة طويلة وحافلة!!

والآن، وأمام هذا التألق المغربي الشبابي المتواصل، والمتحقق في غياب الشعارات الحزبية، ما الذي يمكن أن نفعله بأحزاب اختارت “طريقها المسدود” بعيدا عن انشغالات المواطنين وانتظاراتهم؟!

مالذي يمكن أن تقدمه هذه الأحزاب، بهذه المواصفات،   كقيمة مضافة لمغرب لا يَفْتُرُ عطاؤُه، ولا تتراجع طموحاتُه التي لا تقل قوةً وجرأةً عن طموحات أكثر الأمم تقدُّماً وريادة؟..

ثم ماذا بقي للأحزاب أن تقدمه وهي على هذا المنوال من التراجع والتردّي؟.. ذاك هو السؤال!!!