“البداية 2” بالرباط: إقامة فنية تؤسس لرؤية جديدة للفن المعاصر

في سياق إعادة التفكير في العلاقة بين الفن والتعليم والمجتمع، يحتضن فضاء التعبيرات بمؤسسة صندوق الإبداع والتدبير بمدينة الرباط المعرض الجماعي “البداية 2″، الذي يُمثل امتدادًا لبرنامج الإقامة والمعارض الرامي إلى احتضان التجارب الإبداعية الناشئة. ويأتي هذا الحدث الفني، الممتد من 18 يوليوز إلى 14 شتنبر 2025، بمشاركة خريجي المدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء و المعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان، كمحاولة لترسيخ دور الفن في مساءلة الواقع وإنتاج معنى جديد للجماليات الراهنة.

ضمن رؤية فلسفية تعتبر الفن ممارسة بحثية متحررة من أنساق التكرار، تنفتح هذه التظاهرة على التعدد في الوسائط والأساليب، كما أشار  الباحث الأركيولوجي  المهدي الزواق، مدير المعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان، الذي أكد على تنوع الأعمال بين الرسم، النحت، الفيديو آرت، التصوير، والتركيبات. ويرى الزواق أن “المعرض يشكل مساحة تجريبية يعبّر فيها الفنانون الشباب عن تصوراتهم الفردية حول قضايا كبرى مثل الهوية، الجسد، الذاكرة، والفضاء الحضري”، مما يجعله أشبه بورشة فكرية مفتوحة تمزج بين الإبداع والمعرفة، في تفاعل متواصل مع أساتذة وفنانين.

الحدث، إذن، ليس مجرد أرضية للعرض من أجل العرض، بل هو فضاء للتفكير الجمالي الجماعي، يستدعي موقفًا وجوديًا من الفنان إزاء العالم. ذلك أن الأعمال المعروضة هي حصيلة إقامات فنية مثمرة، ونتاج بحث فردي يتجاوز التقنيات إلى مساءلة الخلفيات الرمزية والاجتماعية للعمل التشكيلي.

من جهة أخرى، يبرز انخراط مؤسسة صندوق الإيداع والتدبير كشريك استراتيجي في مواكبة الفنون المعاصرة، بوصفها رافعة للوعي الثقافي ورافدًا للتنمية المجتمعية. فحسب ما يقدمه المشروع من دعم فعال للفنانين الناشئين، يتجلى توجه فلسفي يرى في الفن أداة للتغيير، ووسيلة لإعادة إنتاج العلاقات الرمزية بين الذات والعالم. ويُشكل التعاون مع المؤسستين  الفنيتين خطوة نحو دمقرطة الفضاءات الثقافية، وتأمين انتقال سلس من التكوين الأكاديمي إلى الاندماج في النسيج المهني للفن.

هذا المعرض، كما يشير الفنان المصمم  سعيد كيحيا، مدير المدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء، “لا يُعد مجرد احتفاء بالأعمال، بل هو لقاء بين مدينتين تشكلان رمزين للهوية التشكيلية المغربية.” ويضيف أن “حضور خريجي الدار البيضاء وتطوان يُحدث تفاعلاً خصبًا بين المرجعيات الأسلوبية والثقافية، ويفتح أفقًا لحوار يتجاوز المحلي نحو مساءلة الفن المغربي المعاصر وتحدياته”.

انطلاقًا من صدى الافتتاح، يضيف كيحيا، فإن  معرض “البداية 2” يمثل لحظة نموذجية  في المسار المهني لهؤلاء الفنانين الصاعدين ، ويوفر فرصة للتلاقي مع جمهور واسع، في تجربة تُجدد العلاقة بين العمل الفني وطاقته التساؤلية.

بهذا المعنى، لا يمكن النظر إلى “البداية 2” إلا كتجسيد لرهان  وجودي و معرفي معا  على الجيل الجديد، وعلى قدرة الفن المعاصر على فتح قنوات جديدة للمعنى، وعلى تحويل الفضاءات الثقافية إلى أماكن للمغايرة و الاحتمال و الانعطاف.

        د.عبدالله الشيخ ، ناقد فني.