مخلوقات من البعد الثاني!!

“خَنْشَلْتُ” الصورة أعلاه من التيك توك، رفقةَ تعليقها المنطقي والعقلاني، مع الاعتذار لصاحبها، يقينا مني بكل تواضع، بأن الدين لم يخاطبنا إلا بلغة العقل والمنطق.
ولِمَن تَجيشُ عواطفُهم وتستعر عند الحديث عن الدين أقول لهم بكل تجرّد:
“إما أن تستعملوا عقولكم دون العواطف الفوّارة والمتشنجة، وإما ان تبحثوا لكم عن ديانة أو ملة أخرى”، لأن الملة المحمدية، الماتحةِ أسُسَها ومبادئَها من الدين الواحد، غير القابل للتعدد ولا للتجزيء ولا التبعيض، لا تقبل مطلقاً أن نجعل أمهاتِنا وبناتِنا وأخَواتِنا وعماتِنا وخالاتِنا، وجميع نسائنا، على هذه الحالة من الهبوط والدونية، مهما بلغ سيل المحافَظَةِ الزُّبَى، ومهما علت أمواج التطرف لتصل إلى الأعناق والآذان!!
إنّ هذا بكل بساطة وصراحة، ليس ديناً ولا شرعاً ولا حتى فقهاً من صنع الإنسان يروم به تنظيم العبادات والمعاملات، بل هو مجرد امتهان رخيص ووضيع لإنسانية الإنسان، وقتل لمشاعر المحبة والمودة، ولأواصر الرحمة التي قال رب العزة إنه جعلها بيننا ذكورا وإناثاً!!
أين الماثلتان في هذه الصورة العدمية من هذه المبادئ السمحاء؟! وأين الذكور الممتهنون للمرأة الظاهرة في الصورة ذاتها بهذا الأسلوب الخبيث والسيّئ، من تعاليم نزلت لتُؤاخِيَ بين الناس ذكوراً وإناثاً، لا لتجعل بعضهم عبيد بعض؟! بل إنّ العبيد لم يسبق في تاريخ الإنسانية أن عوملت إناثُهم بهذه الطريقة الهمجية والفجة!!
معذرة عن هذه الحدة في التعليق على مجرد صورة فائتة وزائلة، ولكن الأمر عند بعض الذكوريين، الذين يرون ذواتهم فحولاً دون غيرهم، وهم للأسف مسلمون، وصل إلى درجة من الانحطاط جعلتهم يدوسون، إلى هذا الحد المقرف والباعث على الغثيان، على كرامة نصف المجتمع، بل هنّ أكثر من نصف المجتمع باعتماد آخر الإحصائيات الرسمية في كل بقاع الوطن المسلم (حوالي 52 إلى 54% من الإناث)… فأي دين هذا الذي يجعل معتنقيه يعامِلون بعضهم بعضاً بهذه العدوانية، والبغي، والإقصاء؟!!
هل هذا الذي تُوَثّقه تلك الصورة وقع في ظل طالبان؟ أم القاعدة؟ أم داعش؟ ام النُّصرة؟ ام بوكو حرام؟..
هذا لا يهم… وإنما الذي يهم أن الفاعلين هنا يعتقدون أنفسهم مؤمنين محتسبين، وإنْ هُمْ في حقيقة أمرهم إلا “مشركون بالله”، بالمفهوم القرآني “للشرك بالله”، والذي يفيد “السعي باسم الله إلى إشراك الغير في توجّه عقدي أُحادي وشمولي، مع استعمال العنف وقوة السلاح لتحقيق ذلك القصد، الذي ما أنزل الله به من سلطان”… وذاك دأب كل الجماعات المذكورة ومَن يجري مجراها وينحو منحاها من متطرفي عالمنا البئيس!!!
أما بَعدُ… فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا، بنفسه، ويصير مِن فرط الغبن انشطاريا كقنابل النابالم، هو وفروعه كالتالي:
– هل ما نراه في تلك الصورة اللعينة ذاتها هو عين الخمار الذي أمر الله المؤمنات من إمائه بأن يضربن به على جيوبهن؟
وإذا كان الجواب “نعم”، فمتى كان الرأس والوجه واليدان والقدمان في حكم الجيوب؟!!
– أم أن ذلك المشهد المريع تشخيصا لمفهوم “الحجاب”، الذي أمر رب العزة صحابة رسول الله، بأن يتخذوه بينهم وبين نساء النبي، كلما شاؤوا التحدث إليهن لطلب حاجة أو خدمة أو للسؤال عن أمر من الأمور؟!
– أليس الحجاب في تلك التعاليم القرآنية عبارة عن باب مُورَبٍ، او إزارٍ مُرسَلٍ، أو حائطٍ حاجِز؟!
– أين هي “الزينة الظاهرة بالبداهة والخِلقة”، والتي عبر التنزيل الحكيم عنها بتعبير: “ولا يُبدين زينتهنّ إلا ما ظهر منها”، مما يجعلها ممكنة الظهور، وأقلها الرأس، شعراً ووجهاً، واليدان إلى المرفقين، والقدمان إلى أسفل الركبتين… وتلك هي الحدود التي كانت أمهاتُنا يحرصن على عدم تجاوزها، حتى في أوج انتشار “ثورة السفور”، التي أشعل فتيلَها المصريُّ قاسم أمين، ومَن تلاه من المتنوّرين المسلمين، المؤمنين يقيناً؟!
– ثم ما الفائدة من قوانين ونُظُم الأحوال الشخصية إذا كان الواحد منا يُجالس أو يتعامل مع كائنٍ لا وجه له ولا قسمات، بل لا رأس له أساساً، ولا يدين ولا قدمين… كائن أشبه ما يكون بمخلوقات “البُعد الثاني”، التي ليست لها أي إحداثيات أخرى في الزمان والفضاء غير الطول والعَرض؟!!
– ثم ما معنى أن يأمرنا رب العزة بغض “البصر” عن كائن لا نستطيع أدراكه أساساً بحاسة “النظر”، وبِعينَيْ الرأس، فما بالنا بعين البصيرة وبالتمعن والتعمّق؟!
– هل في وسع أي ذي لب أن يستنتج شيئا من ذلك الشيء الماثل في تلك الصورة اللعينة، المُبَيَّنة أعلاه، والتي حرّكت في الخاطر كلَّ هذه القَفَشات؟!!
ألاَ إن التاريخ يخبرنا بأن النسوة الحَرائر في الجاهلية كنّ على هذا النحو الماثل في تلك الصورة أو أكثر، فلما جاء التنزيل الحكيم لم يُحكِم طوقَه حولهنّ، بل منحهن فسحة يُبدين من خلالها إنسانيتهن، ومن باب تلك الإنسانية اختلاف وجوههن وشعورهن وقوامهن، حتى أن التنزيل الحكيم خاطب رسول الهداية بأن منع عنه أن يطلب لنفسه بعضَ النسوة “ولو أعجبه حسنهن”… فكيف سيُعجَب النبي بحسن نسوة يقفن أمامه كما تقف السيدتان في الصورة أعلاه، وهن مغبونات في كل حقوقهن، وفي مقدمة حقوقهن إنسانيتهن؟!!
فهل تنتمي الماثلتان في تلك الصورة إلى هذه الإنسانية بالقوة والفعل كجميع نساء بني آدم، أم أنهما تنتميان لها بالمِخيال والتَّصَوُّر وليس أكثر؟!!
شخصيا، أعتقد أن الشكلَيْن الهندسيَيْن الغريبَيْن في تلك الصورة هما من قَبيل إبداعات “الخيال العلمي الارتدادي”، وليس “المستقبلي”، ولعل هذه صيحة جديدة في هذا النوع الغريب، من الخيال العلمي، ينزلق بنا إلى ماض سحيق بدلاً من القفز بنا فوق حواجز الزمان والفضاء باتجاه المستقبل!!
دعوني، في هذا المعنى بالذات، أدعو إلى أن يتحرك أصحاب سجل غينيس للأرقام القياسية ليُدخِلوا هذه الصورة تحت بند “الخيال العلمي الارتدادي”… ولي اليقين بأن ذلك البند سيظل خاليا إلا من تلك الصورة، لأنها بالفعل فريدة من نوعها، مهما كثرت مثيلاتها في أخيلة مسلمي هذا العصر الملتبس!!
ختامه… لو أن أحداً علّق على تلك الصورة اللعينة، بالقول إنها لِكائنات فضائية، جاءت إلينا من عالم آخر يبعد عنا بملايين السنوات الضوئية، لكان ذلك أقرب إلى التصديق والقَبول… ولكن رياح هذا الأمر جاءت إلينا بما لا تشتهيه سفن العقل والمنطق!!
فطوبَى لزوج أو زوجَيْ هاتين المسكينتين… أما نحن فليس لنا إلا أن نسأل الله السلامة والعافية في ديننا وتديُّنِنا، وفي أمهاتنا وبناتنا وحليلاتنا وجميع نسوتنا… إنه سميع مجيب!!!
ذ. عبد الحميد اليوسفي
تعليقات 0