أحيدوس نايت وراين بين التأصيل وإمكانات التطوير

——بقلم الأستاذ محمد طالبي
لا يختلف اثنان حول ما يمثله أحيدوس بمنطقة آيت وراين من رمزية تاريخية وثقافية ووجدانية حيث شكل أهم مكون في ذاكرتها وهويتها ،وظل حيا لم تقبره عوادي الزمن كما أقبرت أشياء كثيرة جميلة في تاريخنا . والمثير للاعتزاز والأسف في نفس الوقت أن هذا المكون ظل بمفرده مركز اهتمام الفاعلين والجمعويين وكافة المتتبعين بمعزل شبه تام عن باقي مكونات التراث الأخرى التي تميز تاريخنا الحضاري من قيم وعادات و كفاحات وألبسة وأفرشة (باستثناء تاحلاست ) وطقوس وألعاب وأنماط عيش وعمران … وهكذا تم تركيز الاهتمام على فن أحيدوس وظل الإلف القريب من وجدان الجميع حتى أصبح واجهة ثقافية أولى بالمنطقة ، وسجلا نطل من خلاله على جزء كبير من هويتنا وتاريخنا الحضاري .
والجدير بالذكر أن فن أحيدوس الذي فتحنا عليه أعيننا خلال فترة الستينات وما قبلها كان يمارس بنفس الشكل تقريبا في قبائل آيت وراين وبني يازغة وبني زهنة وبني مكود حيث الغناء باللسان الدارجي ، والرقص بالجلباب. (سيتم إفراد حلقة خاصة لهذا الموضوع في حلقة لاحقة ).
وبعد إحداث المعهد الملكي للثقافة الامازيغية سنة 2001 ظهر ما يمكن اعتباره صحوة أمازيغية محليا؛ مما اسهم في تأسيس جمعيات أخذت على عاتقها مهمة إحياء التراث المحلي وبصفة خاصة فن أحيدوس؛ كان أولاها جمعية إعريمن نايت وراين …،وبعدها تأسست جمعية إيزلي نايت وراين …ثم ظهرت بعدها جمعيات أخرى لنفس الهدف جمعية موسى وصالح للثقافة …وجمعية إيزماون نايت وراين للثقافة … .وغيرها .
وقد ساهمت الجمعيات الأولى في إحداث تغييرات عميقة في نسيج أحيدوس نايت وراين في مبناه وجوهره . ولعل أهم عمل قامت به هو إحياء فن أحيدوس وترسيخه في الساحة بعد أن اندثر وأصبح في شبه الغائب أمام هيمنة الأجواق العصرية في الأعراس والحفلات خلال مرحلة التسعينات في المناطق القريبة من تاهلة على الأقل ..وموازاة مع ذلك تم إحياء النظم باللغة الأمازيغية التي كانت مغيبة قبل ذلك، حيث كان اللسان الدارجي / العربي هو الوعاء اللغوي الذي يتم به الغناء. وثالث عمل قامت به الجمعيات هو إحياء لباس الحايك الذي يعتبر زيا وراينيا أصيلا لا نجد له مثيلا في باقي اللوحات الفلكلورية بالمغرب. بجانب إحياء زي تابردوحت بالنسبة للنساء التي تعتبر تحفة فنية فريدة . إنها جملة من الأمور الإيجابية التي تحسب للجمعيات المهتمة بفن أحيدوس. والملاحظ أن النجاحات التي حققتها الجمعيات الأولى في انتشار فن احيدوس أدى إلى ظهور جمعيات كثيرة محليا تعنى بإحياء فن أحيدوس ، بجانب ظهور وانتشار فرق أحيدوسية كثيرة ؛ وهكذا أصبح في كل دوار جمعية أو فرقة أحيدوس، وعادت الأعراس إلى عهدها القديم ،وعادت رحبة العرس إلى شكلها السابق وظهر شيوخ القول بشكل لا يعد ولا يحصى .وأصبحت الجمعيات تتنافس فيما بينها للسيطرة على الساحة بالحضور في المهرجانات والأعراس والحفلات .
غير أن هذه الصحوة المحمودة أدت مع الأسف ،خاصة بعد كثرة الفرق، إلى ظهور مظاهر سلبية حادت عن الكثير من الأصول أبرزها وأقساها التضحية بالإنشاد بالأمازيغية خاصة عند التقاء فرقتين والدخول في متاهة إطالة إيزلان ؛ حيث صار المتحكم في الرحبة وفي مسار الفرجة شيوخ القول مما أثر في كثير من المقامات الفنية التي تعكس جوهر منظومة أحيدوس نايت واراين ورصيده الجمالي. وهذا ما سيكون موضوعا للحلقة القادمة بحول الله .
تعليقات 0