اكتشاف غريب أثناء حفر قبر في الدوار

خبر عاجل. هكذا عنونت قنوات الأخبار في الدوار باللون الأحمر قبل الإعلان عن وفاة أحد المنتخبين الذي دخل عالم الانتخابات فقيرا ليصبح قبل مماته مليارديرا يتمتع بنفوذ واسع في القبيلة والقبائل المجاورة وحتى البعيدة.
بعد إعلان الخبر على شبكات التواصل الرقمي للدوار، جاء بلاغ من أتباعه يؤكد رسميا نبأ الوفاة، معلنا عن تاريخ ومكان دفن جثة الفقيد مع الدعوة طبعا بالمغفرة للراحل.
مباشرة بعد الإعلان، سارع حفار القبور ليلا تحت جنح الظلام إلى حفر قبر يليق بمقام جثة الفقيد، بل واختيار زاوية له لتسهيل عملية الزيارات للقبر من طرف الأتباع والتابعين لهم.
لكن مباشرة بعد بدء عملية الحفر، في أجواء روحانية حيث كان بعض الفقهاء يتلون آيات من القرآن الكريم، فر الجميع مهرولا خارج المقبرة يرتعش خوفا، ويلهث منهكا، ويردد متلعثما”يا لطيف، يا لطيف، يا ربي السلامة”.
ماذا وقع؟ تساءل حراس المقبرة مع مجموعة من المواطنين الذين هرعوا إلى عين المكان لمعرفة سبب فرار حفار القبور بهذا الشكل الغريب والمريع.
ماذا وقع؟ بعد لحظات قال لهم أحد قيدومي حفار القبور بعد استرجاع أنفاسه: “مباشرة بعد ما ضرب الفأس في الأرض، اشتقت القبور المجاورة ليخرج منها أناس بلباس أبيض ناصع البياض يقولون بلسان واحد: “بالله عليكم كيف تأتون بمجرم من هذا العيار الثقيل أكل أموالكم وهضم حقوقكم لدفنه بجانبنا، ليفسد علينا سكينة قبورنا”. وهو ما أكده بعد ذلك حفار القبور الآخرون والفقهاء الحاضرون، ليتم الاتصال مباشرة بحكماء الدوار لمعرفة ما يجب القيام به.
كانت الساعة تشير إلى منتصف الليل حيث كان حكماء الدوار بصدد عقد اجتماع للنظر في القضية، عندما بلغ إلى علمهم أن عددا كبيرا من أتباع الفقيد يحتجون بشدة أمام المقبرة، مرددين شعارات مفادها أن هناك مؤامرة تحاك من طرف الخصوم السياسيين للفقيد من أجل دفن إرثه الانتخابى، وكان عدد المحتجين يزداد بشكل مهول من المستفيدين من ريع الراحل وصفقات جماعته وطلبات السند والدراسات التي كان يعرف جيدا كيف يوجهها لترسو على أهله والتابعين له.
كان الحكماء مجتمعين في الدوار والأمور قد تخرج عن السيطرة أمام المقبرة بسبب العدد المهول من المحتجين، والكل يتساءل أين ستسير الأمور في هذه الليلة، خاصة أن شبكات التواصل الرقمي للدوار كانت تنقل شعارات الاحتجاج تحت عناوين مثيرة لرفع عدد النقرات والمشاهدات.
لتفادي الانفجار سارع أحد حكماء الدوار إلى الاجتماع مع ممثلي المحتجين، طالبا منهم تكوين فريق من المتطوعين من أتباع الراحل والمخلصين له لحفر القبر، حيث تطوع الجميع لنيل الأجر والقيام بالمهمة، مما صعب عملية حصر عدد الحفار المتطوعين.
هكذا تم احتواء الغضب أمام المقبرة التي أصبحت تتصدر عناوين أخبار الوكالات الدولية، والتحق الحفار المتطوعون من أجل حفر قبر المرحوم، بينما كان الجميع ينتظر ويتابع هذه الواقعة التي لم يسبق أن سمع بها أحد.
لم تمر سوى بضع دقائق عن دخول فريق الحفار المتطوعين إلى المقبرة حتى سمعهم الجميع يصرخون ويرددون نفس الأصوات : “يا لطيف، يا لطيف. يا ربي السلامة”، وهم فارين إلى خارج أسوار المقبرة.
قبل سؤالهم عن سبب هرعهم، قام أحد أتباع الراحل بعملية استباقية معلنا للجميع: “فعلا هناك احتجاج لسكان القبور؛ لأنه تبين لهم أن المكان المخصص لقبر المرحوم هو المنفذ الوحيد لأحد أغنى آبار البترول على وجه الأرض، وبناء عليه يجب تغيير المقبرة والترحم على الراحل الذي قدم هذه الهدية المباركة للبشرية قبل مغادرته لهذا العالم”.
لم تمض دقائق عن نشر الخبر على شبكات التواصل الرقمي حتى خرجت جميع الدواوير المجاورة مطالبة باستقبال جثمان المنتخب الراحل الذي أطلقت عليه صحف العالم اسم “جثمان البركة”، مما صعّب الأمر على حكماء الدوار الذين يتابعون الوضع عن كثب في اجتماع مفتوح…
كيف سيتم اختيار المقبرة؟! خاصة أن كل الدواوير قدمت عروضا مغرية لاستقبال “جثمان البركة” وبناء ضريح حوله لتعم البركة في المنطقة،وجلب عدد كبير من الزوار والاستثمارات وخلق فرص الشغل.
الحل الوحيد هو إجراء قرعة بحضور ممثلي جميع الدواوير، ليبتسم الحظ لدوار يقع غير بعيد عن مسكن المنتخب الراحل، الذي سارع إلى توفير قبر سبق حفره من قبل في إطار سياسة هذا الدوار لتفادي الضغط وتسهيل عملية دفن أمواته.
تم رفع اجتماع الحكماء قبل صلاة الفجر واتفق الجميع على حضور الجنازة بعد صلاة الظهر، بينما كانت شبكات التواصل الرقمي للدوار تجدد على مدار الساعة أخبارها حول “جثمان البركة” والاكتشاف المبروك.
قبل صلاة الظهر، كان الجميع في الموعد في موكب رهيب يسير في جنازة الفقيد، حيث تم إدخال جثمانه إلى مسجد المقبرة للصلاة عليه قبل عملية الدفن، التي كانت شبكات التواصل الرقمي للدوار تنقلها مباشرة على الهواء.
“جنازة رجل” قال الإمام قبل التكبيرة الأولى، لكن الصوت المسموع عبر ميكروفون المسجد كان يقول “جنازة مجرم لا يجوز دفنه في مقبرتنا”، ليرتبك الجميع قبل أن ينقض على الميكروفون في عملية استباقية، أحد أتباعه، ليعلن عن تأجيل الجنازة والدفن نزولا عند رغبة الوفود الأجنبية التي عبرت عن رغبتها لحضور المراسيم وتوديع الراحل، ليتم نقل “جثمان البركة” إلى مستودع الأموات، حيث لا يزال هناك إلى يومنا هذا يخضع للتجارب لاستخراج ما قد يفيد العلماء في علم الإجرام.
تعليقات 0