في باب الحكم على الغير…

الانسان يولد رحيمًا، الشخص الرحيم هو الذي يتحلى بالرحمة اي ان تكون في قلبه رقة ومودة تجاه الغير.
الشخص الرحيم يستمد رحمته من الذي خلقه. هذه خاصية انسانية لأنها تطلب الوعي والإدراك. هي كذلك إحدى تجليات الخالق. يستمدها المخلوق من الخالق. يستمد الانسان طاقتها و يتحلى بخصائصها. الاقتداء برحمة الله هو أن يعفو المرء، أن يحلم أن يواسي الغير، أن يتجاوز أخطاء او الزلات الآخرين.
لايمكن الحكم عن كلمة قيلت. الانسان الرحيم هو الذي يجد الأعذار للآخر. يقول دائما إن الشخص الذي أمامه لا يعرف مصلحته، تفوّه بهذه الكلمات لأنه لا يدري معناها، لا يدري عقباها. تصرّف بغضب عن جهل بالاشياء، ليس له تجربة في الحياة، لا يعرف مصلحته، لم يكن لديه أسرة لتربيه، يجد في جميع الأحوال الأعذار حتى لا يصدر حكمه، ويرى الشخص الآخر بعين الرحمة. يقوم بمساعدة المحتاج دون لومه على عدم قدرته عن العمل مثلا. يستمع لكل مكروب ويُساعده على إيجاد الحلول، يتغافل عن الزلات، يقول في نفسه من أكون حتى أحكم على الآخر؟ أنا إنسان مثله، يمكنني أن أخطِئ وأتمنى أن يراني الناس بعين الرحمة إذا أخطات… اليوم لك وغداً عليك.
بعكس ذلك، الشخص غير الرحيم لا يسامح، يحكم على كل التصرفات بأنها لاتجوز، لاتليق، تفوه بهذه الكلمات لأنه جاهل ويجب ان يعاقب، تصرف بهذا الشكل لأن والديه لم يربياه، يجب أن يعاقب في جميع الأحوال، لا أعذار ولا حيثيات، ولا مواقف، ولا تجربة قاسية يمكن الأخد بها. هو في باب الحكم على الغير، هو القاضي الذي لا يأخذ بعين الاعتبار الظروف الصعبة الذي عاشها الشخص الآخر، يتعامل مع الناس بقسوة، ويتلفظ بعبارات نابية، لا يختار الكلمات التي تواسي، لا يتفهم، يُحرج الغير بملاحظاته الحادة دون مراعاة آلام الغير. لا يعتذر لأنه في اعتقاده شخصٌ خالٍ من العيوب، غالبا ما يحتقر الضعفاء لأنه يرى أن سبب ماساتهم أنفسهم.
لكن هذه القسوة تُكتسب بالتربية أو من تجربة قاسية ناتجة عن حياة صعبة.
التربية الخالية من المبادئ، الطفل الذي يعيش في جو تسوده الماديات والحسابات. يجب أن تنجح، يجب أن تكون أفضل من غيرك، لاسيما عندما يقارن مع الإخوة، والأقارب، والجيران، إنه البحث الدائم عن التفوق على حساب الغير. يتعلم الطفل الأنانية، أنا وبعدي الطوفان. كيف يتعلم الطفل الرحمة، اذا كان والداه لم يكونا رحيمَيْن معه؟ خاصة لما يكون هذا التصرف مقروناً بالتكلم في الغير، بالتعقيب على بعض التصرفات أمام الأبناء، وكل ما يقال مرارا وتكرارا أمامهم سيتحول إلى اعتقاد راسخ في الخطأ، بأنّ الشخص الناجح هو الذي يصل إلى أهدافه دون مراعاة الغير، و الشخص الفاشل سيكون منبوذاً لأنه لا حاجة إليه وبالتالي لا رحمة على فشله.
في بعض الأحيان، التجارب الصعبة تفقد الشخص الرفق في القول والعمل. أشخاص كانوا رحماء وصاروا قاسيةً قلوبُهم لأنهم فقدوا الثقة في الإنسان الطيب. لم يكن أحدٌ رحيماً معهم.، لذلك كانوا عرضةً للسخرية، عانوا من خيبة أمل جعلتهم كالحجارة لا يستطيعون الإحساس بالرحمة. هؤلاء الأشخاص فقدوا الرحمة من داخل أنفسهم. من لا يرحم نفسه لن يستطيع رحمة غيره…البداية تكون دائما نحن.
Mme Soleil de la Voix
تعليقات 0