الصويرة في مواجهة زحف الرمال: أزمة بيئية متعددة الأبعاد

منصف عبد الحق – أستاذ باحث
————————–
لم تعد الكثبان الرملية المتراكمة بمدينة الصويرة ظاهرة طبيعية هامشية، بل تحولت إلى إشكال بيئي حاد تتقاطع فيه الأبعاد الإيكولوجية والعمرانية والاجتماعية-الاقتصادية. هذه الظاهرة، التي تغذيها ديناميات ريحية نشطة، واختلالات مناخية متزايدة، وهشاشة في منظومة التدبير الترابي، تثير اليوم تساؤلات جدّية حول قدرة المدينة التاريخية على الصمود في وجه التحولات العميقة التي تطال محيطها.
1. دينامية جغرافية-بيئية مقلقة
تخضع مدينة الصويرة، المصنّفة ضمن التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، منذ سنوات لزحف رملي متسارع. هذا الزحف ناتج عن تفاعل بين العوامل الطبيعية، لا سيّما رياح “الشرقي” السائدة، وحركية الكثبان الساحلية التي تتقدم نحو المجال الحضري في غياب آليات تثبيت فعالة.
ولا يُعد هذا التقدم العشوائي للرمال حدثاً عرضياً، بل يُدرج ضمن سياق أوسع من التحولات المناخية، التي تتمثّل في ارتفاع درجات الحرارة، ونقص التساقطات، وتدهور الغطاء النباتي المحلي الذي كان يؤدي وظيفة بيئية حاسمة في تثبيت التربة. وقد أسهمت الضغوط البشرية على المناطق الساحلية في تفاقم هذا الوضع الهش.
2. آثار ملموسة على النسيج العمراني وجودة الحياة
تُسجّل انعكاسات ملموسة لهذه الأزمة على الحياة اليومية للساكنة والأنشطة الاقتصادية: تراكم الرمال على الطرق، إغلاق منافذ المحلات التجارية بما فيها أروقة ساحة الفنانين بجوار باب دكالة ، تشويه الساحات العمومية، وانسداد شبكات تصريف مياه الأمطار، وكذا انمحاء ٱثار المقابر و غيرها من الانعكاسات السلبية. هذه التغيرات تعيق الوظائف الحيوية للمدينة، خصوصاً في قطاعي التجارة والسياحة اللذين يشكّلان عماد الاقتصاد المحلي.
من جهة أخرى، يعاني السكان من تراجع ملحوظ في جودة الخدمات الحضرية، وكثرة تدخلات الإزالة اليدوية للرمال، ما ينتج عنه شعور بالإهمال وتآكل في الثقة تجاه الجهات المسؤولة، إضافة إلى تصاعد الهواجس الصحية المرتبطة بالغبار وتلوث الهواء.
3. قصور في الحكامة البيئية والتخطيط الترابي
رغم تصاعد المؤشرات التحذيرية، لا تزال الاستجابات المؤسساتية محدودة، ظرفية، وغير متناسبة مع حجم الظاهرة. فحملات التنظيف الموسمية لا ترقى إلى مستوى استراتيجية بيئية مستدامة وشاملة.
ويظهر ضعف واضح في التخطيط البيئي المندمج وفي التنسيق بين المتدخلين الترابيين، كما لم تُنجز دراسات أثر بيئي شاملة لتشخيص الوضع واقتراح حلول فعّالة. كما أنّ غياب التشبيك بين الفاعلين المحليين والعلماء والمجتمع المدني والقطاع الخاص يعيق بلورة رؤية تشاركية متكاملة تُمكّن من مواجهة التحدي بأدوات منهجية واستشرافية.
4. نحو استراتيجية حضرية لمناعة مستدامة
في ظل تعقيد الإشكال، تبرز ضرورة اعتماد مقاربة منهجية متكاملة، تنبني على التقاطع بين المعارف العلمية والوعي المجتمعي والإرادة السياسية. وفي هذا الصدد، يقترح الخبراء عدداً من محاور التدخل:
تثبيت الكثبان الرملية: عبر التشجير بأنواع نباتية ملائمة للوسط الساحلي (كالأنواع الهالوفيلية)، وإقامة حواجز رياح طبيعية (مثل السياجات الخشبية أو الحواجز النباتية)، وإعادة تأهيل أطراف الغابات.
إعادة تهيئة الحواجز البيئية: باستصلاح المناطق الرطبة، والسبخات، والحواجز الرملية الطبيعية التي تمثل دروعاً ضد الانجراف.
الرصد والنمذجة: من خلال اعتماد تقنيات الاستشعار عن بُعد والخرائط الطبوغرافية لرصد حركة الرمال ومحاكاة سيناريوهات التدخل.
الإدماج المجتمعي: عبر إدراج التوعية البيئية في المؤسسات التعليمية والمبادرات الجمعوية، وتفعيل أدوار الساكنة في مشاريع الحماية البيئية.
تعزيز البناء المؤسسي: بتأسيس مرصد محلي للمناخ والبيئة، وتحديد خارطة طريق واضحة للسلطات المحلية، مدعومة بمؤشرات للتقييم والمتابعة الدورية.
5. حماية تراث حي مهدد بالاندثار
تُجسّد حالة الصويرة التوتر القائم بين متطلبات التنمية الحضرية، وحماية التراث، وتغير المناخ. المدينة لا تملك ترف التأجيل، فالمخاطر البيئية المحدقة تهدّد بانهيار توازناتها الإيكولوجية والاجتماعية.
إن حماية الصويرة من الزحف الرملي لا تعني فقط إنقاذ موقع سياحي، بل تعني الحفاظ على نموذج حضري فريد، يجسد تفاعلاً تاريخياً بين الإنسان والطبيعة. فلتكن الاستجابة على قدر ما تمثله مدينة الرياح: تراثاً حيّاً يبحث عن توازن مستدام خصوصا أنها مقبلة على استضافة المؤتمر السنوي لشبكة المدن المبدعة.
تعليقات 0